Tuesday, November 5, 2019

شاحنة الموت: لاجئ سوري يروي تفاصيل صراعه مع الموت في براد الشاحنة

انفطر قلبه ألماً على موت الفيتناميين في "شاحنة الموت" التي وصلت إلى المملكة المتحدة في الـ 23 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقرر أن يحكي تفاصيل رحلته المروعة إلى المملكة المتحدة داخل شاحنة تبريد، وكيف صارع الموت هو ومن كانوا معه من إيرانيين وأفغان حتى اللحظات الأخيرة عندما عثرت عليهم الشرطة البريطانية وأنقذتهم. "لعلني أستطيع المساعدة في إنقاذ أرواح قبل أن تصبح ضحايا، لأن معظم من يخوض تجربة البراد لا يعلم عنها شيئاً فيغامر بحياته".

بلا شك، أثرت حادثة موت الفيتناميين الـ 39 الذين كانوا على متن شاحنة التبريد التي وصلت إلى مقاطعة إسيكس البريطانية على كل من سمع أو قرأ عنها، إلا أن من عاش التجربة نفسها، يتألم أكثر لأنه يدرك ويعلم حجم الألم الذي عانوه.

وصل سيامند زهرالدين إلى المملكة المتحدة داخل شاحنة تبريد مع مجموعة من الإيرانيين والأفغان بينهم نساء وأطفال، يروي سيامند لبي بي سي عربي تفاصيل لم يذكرها لأحد من قبل، وكيف حالفهم الحظ بأن يعيشوا بعد أن كانوا على وشك الموت.

لم يشأ سيامند، اللاجئ الكردي السوري (مواليد مدينة حلب، 1984) الذي يعيش حالياً في مدينة مانشستر البريطانية، أن يتذكر التجربة التي مرّ بها مدى الحياة من شدة ألمها، وكان قد وعد نفسه أن يبدأ حياته من جديد ويحذف من ذاكرته كل ما يتعلق بتفاصيل رحلة لجوئه إلى المملكة المتحدة.

إلا أن موت 39 مهاجراً فيتنامياً مؤخراً، جعله يشعر بالمسؤولية تجاه آلاف الشباب الذين قد يفكرون بالقدوم إلى المملكة المتحدة داخل شاحنات مبردة ويغامرون بحياتهم لاعتقادهم أن هذه الوسيلة هي الأنجح والأسرع للوصول إلى المملكة المتحدة، دون أن يعلموا بأن هكذا رحلة قد تكلفهم حياتهم.

لن يتوقف الشباب بالتفكير في الهجرة إلى أوروبا سواء كان بسبب الفقر الشديد أو القمع أو الحروب كما هو الحال في في سوريا والعراق واليمن وليبيا وغيرها.

"لكن ما لا يعلمه الكثيرون ممن يضطرون إلى التعامل مع المهربين وتجار البشر، أن رحلة البحث عن الحياة قد تنقلب في أي لحظة إلى رحلة موت بطيء" كما يقول سيامند.

ويضيف: "أشعر بالذنب إن لم أشارك تفاصيل رحلتي المرعبة في شاحنة نقل الخضروات مع غيري، لعلّني أنقذ أرواحاً لأنهم لا يعرفون ما ينتظرهم في رحلتهم المحفوفة بالمخاطر".

وصل سيامند إلى مدينة كاليه الفرنسية التي يتجمع فيها اللاجئون من أصقاع الكون، بعد أن أخبره المهاجرون في فرنسا أن الطريق إلى المملكة المتحدة يبدأ من تلك النقطة.

لم تكن رحلة الوصول إلى كاليه سهلة على الإطلاق، بل محفوفة بالمخاطر، فقد ركب القارب المطاطي وسط ظلام دامس وبحر مرعب من تركيا إلى اليونان، ثم توجه إلى فرنسا مروراً بألبانيا والجبل الأسود وصربيا وبلغاريا ونمسا وألمانيا لينجو ليس فقط من مفاجآت البحر بل من مافيات هذه الدول ومهربيها المنتشرين في المناطق الحدودية في تلك الدول.

يقول سيامند عن محاولاته الأولى للخروج من كاليه في شاحنات مختلفة: "لم يعلم معظم السائقين بوجودنا على متن شاحناتهم لأننا كنا نقوم بذلك ليلاً أثناء استراحتهم وانتظارهم في الطابور على أطراف الميناء، وكان يجري ذلك بتوجيهات من المهربين الذين كانت لديهم الخبرة بوجهات تلك الشاحنات ويستطيعون قراءة الشفرات التي تدل على وجهة الشاحنة فضلاً عن معدات وأدوات لفتح أبوابها وإغلاقها دون ترك أي أثر يدل على أن الباب فُتح".

ويضيف: " كان المهربون يتقاسمون ساحات وقوف الشاحنات فيما بينهم، وإذا كان المهرب مبتدئاً، فلن يعرف الكثير عن وجهات الشاحنات وقراءة الشفرات، فقد نُرسل إلى ألمانيا أو الدنمارك مثلا بدلا من المملكة المتحدة.

فشلت عدة محاولات له خلال فترة وجوده لأكثر من أسبوعين بسبب ركوبه في شاحنات مغطاة بالقماش، الأمر الذي يؤدي إلى كشفهم بمجرد مرور الشاحنة بجانب عامود الماسح الضوئي "Scanners" الضخم المخصص للكشف عما يوجد داخل الشاحنة و"خاصة الأشخاص أو أي مخلوق يسري فيه دم".

ويحكي سيامند كيف تم كشف وجوده ومجموعات أخرى من الشباب والنساء والأطفال عدة مرات بعد ذلك، ودفعه يأسه وانتظاره في كاليه إلى الأخذ بنصيحة المهرب وخوض الرحلة داخل شاحنة مبردة لنقل الخضروات، ولا تستطيع حتى الكلاب المخصصة لهذا الغرض اكتشاف ما بداخلها.